سورة يونس - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)}
قوله تعالى: {كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي حكمه وقضاؤه وعلمه السابق. {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} أي خرجوا عن الطاعة وكفروا وكذبوا. {أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي لا يصدقون.
وفي هذا أوفى دليل على القدرية. وقرأ نافع وابن عامر هنا وفي آخر ها {كذلك حقت كلمات ربك} وفي سورة غافر بالجمع في الثلاثة. الباقون بالإفراد و{أن} في موضع نصب، أي بأنهم أو لأنهم. قال الزجاج: ويجوز أن تكون في موضع رفع على البدل من كلمات. قال الفراء: يجوز {إنهم} بالكسر على الاستئناف.


{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ} أي آلهتكم ومعبوداتكم. {مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي قل لهم يا محمد ذلك على جهة التوبيخ والتقرير، فإن أجابوك وإلا فـ {قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} وليس غيره يفعل ذلك. {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل.


{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} يقال: هداه للطريق وإلى الطريق بمعنى واحد، وقد تقدم. أي هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام، فإذا قالوا لا ولا بد منه ف {قُلْ} لهم {اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} ثم قل لهم موبخا ومقررا. {أَفَمَنْ يَهْدِي} أي يرشد. {إِلَى الْحَقِّ} وهو الله سبحانه وتعالى. {أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى} يريد الأصنام التي لا تهدي أحدا، ولا تمشي إلا أن تحمل، ولا تنتقل عن مكانها إلا أن تنقل. قال الشاعر:
للفتى عقل يعيش به *** حيث تهدي ساقه قدمه
وقيل: المراد الرؤساء والمضلون الذين لا يرشدون أنفسهم إلى هدى إلا أن يرشدوا. وفي {يَهْدِي} قراءات ست: الأولى: قرأ أهل المدينة إلا ورشا {يهدي} بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال، فجمعوا في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله: {لا تعدوا} وفي قوله: {يَخِصِّمُونَ}. قال النحاس: والجمع بين الساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به. قال محمد بن يزيد: لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركة خفيفة إلى الكسر، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة.
الثانية: قرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان، على مذهبه في الإخفاء والاختلاس.
الثالثة: قرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن {يهدي} بفتح الياء والهاء وتشديد الدال، قال النحاس: هذه القراءة بينة في العربية، والأصل فيها يهتدى أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها على الهاء.
الرابعة: قرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كثير، إلا أنهم كسروا الهاء، قالوا: لان الجزم إذا اضطر إلى حركته حرك إلى الكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سفلي مضر.
الخامسة: قرأ أبو بكر عن عاصم {يهدي} بكسر الياء والهاء وتشديد الدال، كل ذلك لاتباع الكسر كما تقدم في البقرة في {يخطف} [البقرة: 20] وقيل: هي لغة من قرأ {نَسْتَعِينُ}، و{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} ونحوه. وسيبويه لا يجيز {يهدي} ويجيز {تهدي} و{نهدي} و{أهدي} قال: لان الكسرة في الياء تثقل.
السادسة: قرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب والأعمش {يهدي} بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال، من هدى يهدي. قال النحاس: وهذه القراءة لها وجهان في العربية وإن كانت بعيدة، واحد الوجهين أن الكسائي والفراء قالا: {يهدي} بمعنى يهتدي. قال أبو العباس: لا يعرف هذا، ولكن التقدير أمن لا يهدي غيره، تم الكلام، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يُهْدى} استأنف من الأول، أي لكنه يحتاج أن يهدى، فهو استثناء منقطع، كما تقول: فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع، أي لكنه يحتاج أن يسمع.
وقال أبو إسحاق: {فَما لَكُمْ} كلام تام، والمعنى: فأي شيء لكم في عبادة الأوثان. ثم قيل لهم: {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أي لأنفسكم وتقضون بهذا الباطل الصراح، تعبدون آلهة لا تغني عن أنفسها شيئا إلا أن يفعل بها، والله يفعل ما يشاء فتتركون عبادته، فموضع {كَيْفَ} نصب بـ {تَحْكُمُونَ}.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14